فصل: (سورة الحديد: الآيات 11- 15):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى} و{اللّه} فاعل {وعد} و{الحسنى} مفعول به ثان {واللّه} مبتدأ و{خبير} خبره و{بما تعملون} متعلقان بخبير.

.البلاغة:

1- الحذف: الحذف في هذه الآيات كثير ونلخصة فيما يلي:
- حذف مفعول أنفقوا للمبالغة في الحثّ على الإنفاق وعدم البخل بالمال.
- حذف مفعول {تنفقوا في سبيل اللّه} لما تقدم ولتشديد التوبيخ أي: وأي شيء لكم في أن لا تنفقوا ما هو قربة إلى اللّه تعالى.
- حذف ثاني الاستواءين لأن الاستواء لا يتم إلا بعد شيئين فلابد من حذف مضاف تقديره: لا يستوي منكم من أنفق من قبل فتح مكة وقوة الإسلام ومن أنفق من بعد الفتح، فحذف لوضوح الدلالة عليه، وعبارة أبي حيان بهذا الصدد: والظاهر أن {من} فاعل {لا يستوي} وحذف مقابله وهو (ومن أنفق من بعد الفتح وقاتل) لوضوح المعنى أولئك أي الذين أنفقوا قبل الفتح وقبل انتشار الإسلام وفشوّه واستيلاء المسلمين على أم القرى وهم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار الذين جاء في حقهم قوله صلى الله عليه وسلم: «لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه»، وأبعد من ذهب إلى أن الفاعل بـ:{لا يستوي} ضمير يعود على الإنفاق أي لا يستوي هو الإنفاق أي جنسه إذ منه ما هو قبل الفتح وبعده و{من أنفق} مبتدأ و{أولئك} مبتدأ خبره ما بعده والجملة في موضع رفع خبر من وهذا فيه تفكيك للكلام وخروج عن الظاهر لغير موجب وحذف المعطوف لدلالة المقابل كثير. وإنما كانت النفقة والقتال قبل الفتح أفضل من النفقة والقتال بعد الفتح لأن حاجة الناس كانت إذ ذاك أكثر وهم أقل وأضعف.
2- في قوله: {في سبيل اللّه} استعارة تصريحية أي طاعته، وسبيل اللّه كل خير يوصلهم إليه.

.[سورة الحديد: الآيات 11- 15]:

{مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (11) يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) يَوْمَ يَقول الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ (13) يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14) فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (15)}.

.اللغة:

{انْظُرُونا} أمر من النظر، والنظر هو تقليب العين إلى الجهة التي فيها المرئي والمراد رؤيته، ومما يدل على ذلك قوله:
فيا ميّ هل يجزى بكائي ** بمثله مرارا وأنفاسي إليك الزوافر

وإني متى أشرف على الجانب الذي ** به أنت من بين الجوانب ناظر

فلو كان النظر الرؤية لم يطلب عليه الجزاء لأن المحبّ لا يستثيب من النظر إلى محبوبه شيئا بل يريد ذلك ويتمناه، ويدلّ على ذلك قول الآخر:
ونظرة ذي شجن وامق ** إذا ما الركائب جاوزن ميلا

وأما قوله سبحانه: {ولا ينظر إليهم يوم القيامة} فالمعنى أنه سبحانه لا ينيلهم رحمته، وقد تقول نظر إليّ فلان إذا كان ينيلك شيئا، ويقول القائل: انظر إليّ نظر اللّه إليك يريد أنلني خيرا أنالك اللّه، ونظرت فعل يستعمل وما تصرّف منه على ضروب:
1- أحدها أن تريد به: نظرت إلى الشيء، فتحذف الجار وتصل الفعل، ومن ذلك ما أنشده أبو الحسن:
ظاهرات الجمال والحسن ينظر ** ن كما ينظر الأراك الظباء

والمعنى ينظرن إلى الأراك، فحذف الجار، ولهذا قال أبو حيان: إن النظر بمعنى الإبصار لا يتعدى بنفسه إلا في الشعر وإنما يتعدى بإلى.
2- والثاني: أن تريد به تأملت وتدبرت وهو فعل غير متعدّ فمن ذلك قولهم اذهب فانظر زيدا أبو من هو، فهذا يراد به التأمّل، ومن ذلك قوله: انظر كيف ضربوا لك الأمثال، وانظر كيف فضّلنا بعضهم على بعض وقد يتعدى هذا بالجار كقوله تعالى: {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت} فهذا حضّ على التأمل، وقد يتعدى هذا بفي نحو قوله:
أفلم ينظروا في ملكوت السموات والأرض، فأما قول امرئ القيس:
فلما بدا حوران والآل دونه ** نظرت فلم تنظر بعينك منظرا

فيجوز أن يكون نظرت فلم تر بعينك منظرا إلى الآل أي السراب، وقد جوّز أن يعني بالنظر الرؤية على الاتّساع لأن تقليب البصر نحو المبصر تتبعه الرؤية وقد يجري على الشيء لفظ ما يتبعه ويقترن به كقولهم للمزادة راوية، وقد يكون نظرت فلم تنظر مثل تكلمت ولم تتكلم، أي لم تأت بكلام على حسب ما يراد فكذلك نظرت فلم تنظر بعينك منظرا كما تريد أو تر منظر ما يروق.
3- والثالث: أن تريد به انتظرته من ذلك قوله: غير ناظرين إناه، ومثله قول الفرزدق:
نظرت كما انتظرت اللّه حتى ** كفاك الماحلين لك المحالا

يريد انتظرت كما انتظرت.
4- والرابع أن يكون أنظرت بمعنى انتظرت تطلب بقولك انظرني.
التنفيس الذي يطلب الانتظار فمن ذلك قول عمرو بن كلثوم:
أبا هند فلا تعجل علينا ** وأنظرنا نخبرك اليقينا

ومن ذلك قوله: {فأنظرني إلى يوم يبعثون} إنما هو طلب الإمهال والتسويف وعلى ذلك قراءة حمزة أنظرونا بقطع الهمزة وكسر الظاء.
{يُقْرِضُ} القرض ما تعطيه غيرك ليقضيكه فهو قطعه عن مالكه بإذنه على ضمان ردّ مثله، والعرب تقول: لي عندك قرض صدق وقرض سوء إذا فعل به خيرا أو شرّا، قال الشاعر:
ويقضي سلامان بن مفرج قرضها ** بما قدّمت أيديهم وأزلت

وسيأتي المزيد من معناه هنا في باب البلاغة.

.الإعراب:

{مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ} فيه أوجه أحدها أن تكون {من} استفهامية مرفوعة المحل بالابتداء و{ذا} اسم إشارة خبره و{الذي} صفة له أو بدل منه، ويصحّ أن يكون {من ذا} استفهاما برأسه مرفوع المحل بالابتداء و{الذي} خبره، ويصحّ أن تكون {ذا} مبتدأ و{الذي يقرض اللّه} صفة و{من} خبر المبتدأ قدم عليه لما فيه من معنى الاستفهام. و{يقرض} فعل مضارع وفاعله مستتر والجملة لا محل لها لأنها صلة الموصول و{اللّه} مفعوله و{قرضا} مفعول مطلق و{حسنا} نعت والفاء سببية ويضاعفه فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد الفاء على جواب الاستفهام وقرئ بالرفع على الاستئناف أو العطف، ولأبي حيان هنا كلام لطيف نورده فيما يلي: وقرأ عاصم {فيضاعفه} بالنصب بالفاء على جواب الاستفهام وفي ذلك قلق قال أبو علي الفارسي لأن السؤال لم يقع على القرض وإنما وقع السؤال على فاعل القرض وإنما تنصب الفاء فعلا مردودا على فعل مستفهم عنه لكن هذه الفرقة يعني من القراء حملت ذلك على المعنى كأن قوله: {من ذا الذي يقرض} بمنزلة أن لو قال أيقرض اللّه أحد فيضاعفه، وهذا الذي ذهب إليه أبو علي- من أنه إنما تنصب الفاء فعلا مردودا عى فعل مستفهم عنه- ليس بصحيح بل يجوز إذا كان الاستفهام بأدواته الاسمية نحو من يدعوني فأستجيب له وأين بيتك فأزورك ومتى تسير فأرافقك وكيف تكون فأصحبك، فالاستفهام هنا واقع عن ذات الداعي وعن ظرف المكان وظرف الزمان والحال لا عن الفعل، وحكى ابن كيسان عن العرب: أين ذهب زيد فنتبعه وكذلك كم مالك فنصرفه ومن أبوك فنكرمه، بالنصب بعد الفاء وقراءة {فيضاعفه} بالنصب قراءة متواترة والفعل واقع صلة للذي و{الذي} صفة لذا و{ذا} خبر له وإذا جاز النصب في نحو هذا فجوازه في المثل السابقة أحرى {وله} متعلقان بيضاعفه والواو حالية و{له} خبر مقدّم و{أجر} مبتدأ مؤخر و{كريم} صفة.
{يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ} {يوم} ظرف متعلق بالاستقرار العامل في {وله أجر} أي استقر له أجر في ذلك اليوم أو بمضمر تقديره يؤجرون منصوب بأذكر فيكون مفعولا به، وقال أبو البقاء: العامل فيه {فيضاعفه} وجملة {ترى المؤمنين والمؤمنات} في محل جر بإضافة الظرف إليها وجملة {يسعى نورهم} حال لأن الرؤية بصرية و{نورهم} فاعل {يسعى} والظرف متعلق بيسعى و{بأيمانهم} عطف على {أيديهم}.
{بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} الجملة مقول قول محذوف أي ويقال لهم، و{بشراكم} مبتدأ و{اليوم} ظرف متعلق بالقول المحذوف، و{جنات} خبر {بشراكم} وجملة {تجري من تحتها الأنهار} صفة لجنات و{خالدين} حال والعامل {فيها} المضاف المحذوف إذ التقدير بشراكم دخولكم جنات خالدين فيها فحذف الفاعل وهو ضمير المخاطب وأضيف المصدر لمفعوله فصار دخول جنات ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه في الإعراب، و{فيها} متعلقان بخالدين {وذلك} مبتدأ و{هو} مبتدأ ثان و{الفوز} خبره والجملة خبر ذلك و{العظيم} نعت للفوز.
{يَوْمَ يَقول الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} الظرف بدل من {يوم} قبله، وقال ابن عطية: ويظهر لي أن العامل فيه {ذلك هو الفوز العظيم} كأنه يقول أن المؤمنين يفوزون بالرحمة يوم يعتري المنافقين كذا وكذا لأن ظهور المرء يوم خمود عدوه أبدع وأفخم. وردّه أبو حيان، وجملة {يقول المنافقون} في محل جر بإضافة الظرف إليها {والمنافقات} عطف على {المنافقون} و{للذين} متعلقان بيقول وجملة {آمنوا} صلة وجملة {انظرونا} مقول القول وهذا فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل ونا ضمير متصل في محل نصب مفعول به و{نقتبس} فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الطلب أي نأخذ الإضاءة و{من نوركم} متعلقان بنقتبس.
{قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا} {قيل} فعل ماض مبني للمجهول ونائب الفاعل مستتر يعود على المؤمنين أو الملائكة الموكلين بهم و{ارجعوا} فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل والجملة مقول القول و{وراءكم} ظرف متعلق بارجعوا أي ارجعوا إلى الموقف إلى حيث أعطينا هذا النور فالتمسوا نورا آخر إذ لا سبيل لكم إلى هذا النور، واختار أبو البقاء أن يكون وراءكم اسم فعل أمر فيه ضمير فاعل أي ارجعوا ارجعوا، ومنع أن يكون ظرفا لارجعوا قال: لقلة فائدته لأن الرجوع لا يكون إلا إلى وراء وليس هذا بسديد، والفاء عاطفة والتمسوا فعل أمر معطوف على {ارجعوا} و{نورا} مفعول به,
{فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ} الفاء عاطفة وضرب فعل ماض مبني للمجهول و{بسور} في محل رفع نائب فاعل وقيل الظرف هو نائب الفاعل وقيل الباء زائدة في نائب الفاعل أي ضرب بينهم سور والجملة معطوفة على قوله: {قيل ارجعوا} فإن المؤمنين أو الملائكة لما منعوهم من اللحاق بهم للاقتباس من نورهم، بقي أولئك المنافقون في ظلمة داكنة لا تختلج العين من جانبها بقبس، وسيأتي المزيد من هذا المعنى في باب البلاغة، و{له} خبر مقدّم و{باب} مبتدأ مؤخر والجملة صفة لسور و{باطنه} مبتدأ و{فيه} خبر مقدم و{الرحمة} مبتدأ مؤخر وجملة فيه خبر لباطنه والجملة صفة ثانية لسور أو صفة لباب ولعله أولى لقربه والضمير يعود على الأقرب إلا بقرينة وهي غير متعينة هنا، {وظاهره} الواو عاطفة وظاهره مبتدأ و{من قبله} خبر مقدم و{العذاب} مبتدأ مؤخر والجملة خبر {ظاهره} والجملة كلها معطوفة على سابقتها.
{يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ} جملة {ينادونهم} مستأنفة وقيل حالية من الضمير في الظرف والهمزة حرف استفهام ولم حرف نفي وقلب وجزم و{نكن} فعل مضارع ناقص واسمها مستتر تقديره نحن و{معكم} ظرف متعلق بمحذوف خبر وجملة الاستفهام مفسّرة لا محل لها أو منصوبة بقول مقدّر.
{قالوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ} {قالوا} فعل وفاعل و{بلى} حرف جواب {ولكنكم} لكن واسمها وجملة {فتنتم أنفسكم} خبر {لكنكم}، {وتربصتم وارتبتم} معطوفان على {فتنتم}، ومتعلق الأفعال الثلاثة محذوف أي فتنتم أنفسكم بالنفاق وتربصتم بالمؤمنين الدوائر وارتبتم في الدين.
{وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} الواو عاطفة وفعل وفاعل و{حتى} حرف غاية وجر، و{جاء أمر اللّه} فعل وفاعل أي الموت {وغرّكم} عطف على وغرتكم {وباللّه} متعلقان بغرّكم و{الغرور} فاعل أي الشيطان.
{فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} الفاء الفصيحة أي إن شئتم أن تعرفوا مآلكم ومصائركم فاليوم، واليوم ظرف متعلق بيؤخذ و{لا} نافية و{يؤخذ} فعل مضارع مبني للمجهول و{منكم} متعلقان بيؤخذ أيضا و{فدية} نائب فاعل وذكر الفعل لأن التأنيث مجازي وقرئ {تؤخذ} بالتاء، {ولا من الذين كفروا} عطف على {منكم} وجملة {كفروا} لا محل لها لأنها صلة الموصول.
{مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} {مأواكم النار} خبر مقدّم ومبتدأ مؤخر أو بالعكس و{هي} مبتدأ و{مولاكم} خبر، و{مولاكم} يصح أن يكون بمعنى أولى بكم قال لبيد:
فغدت كلا الفرجين تحسب أنه ** مولى المخافة خلفها وأمامها

وهو من معلقته يصف بقرة وحشية والفرج: موضع المخافة وما بين قوائم الدواب فما بين اليدين فرج وما بين الرجلين فرج، وقال ثعلب إن المولى في هذا البيت بمعنى الأولى بالشيء كقوله تعالى: {مأواكم النار هي مولاكم} أي أولى بكم، يقول: فغدت تلك البقرة وهي تحسب أن كلا فرجيها مولى المخافة أي موضعها وصاحبها أو تحسب أن كل فرج من فرجيها هو الأولى بالمخافة منه أي بأن يخاف منه، وقال الأصمعي:
أراد بالمخافة الكلاب وبمولاها صاحبها أي غدت وهي لا تعرف أن الكلاب والكلاب خلفها أم أمامها فهي تظن كل جهة من الجهتين موضعا للكلاب، والضمير الذي هو اسم إن عائد إلى كلا وهو مفرد اللفظ وإن كان يتضمن معنى التثنية ويجوز حمل الكلام بعده على لفظه مرة، وعلى معناه أخرى والحمل على اللفظ أكثر وتمثيلهما كلا أخويك سبّني وكلا أخويك سبّاني وقال الشاعر:
كلاهما حين جدّ الجري بينهما ** قد أقلعا وكلا أنفيهما رابي

حمل أقلعا على معنى كلا وحمل رابيا على لفظه وقال اللّه عزّ وجلّ: {كلتا الجنتين قد آتت أكلها} حملا على لفظ كلتا وخلفها وأمامها خبر مبتدأ محذوف تقديره هو خلفها وأمامها ويجوز أن يكون بدلا من كلا الفرجين وتقديره فغدت كلا الفرجين خلفها وأمامها تحسب أنه مولى المخافة وحقيقة مولاكم محراكم ومقمنكم يقال هو حري أن يفعل كذا وهو قمين أن يفعله أي جدير بذلك وحقيق به أي مكانكم الذي يقال فيه هو أولى بكم كما قيل هو مئنة للكرم أي مكان لقول القائل: أنه لكريم فيكون اسم مكان لا كغيره من أسماء الأمكنة فإنها مكان للحدث بقطع النظر عمّن صدر عنه وهذا مثل للمفضل على غيره الذي هو صفته فهو ملاحظ فيه معنى أولى لأنه مشتق منه كما أن المئنة مأخوذة من إن وليست مشتقة منها ويجوز أن يراد هو ناصركم أي لا ناصر لكم إلا النار وبئس فعل ماض جامد لإنشاء الذم والمصير فاعل والمخصوص بالذم محذوف أي النار.